فصل: تفسير الآيات (1- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (13- 21):

{فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)}
{فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} رفيعة السمك أو القدر.
{وَأَكْوابٌ} جمع كوب وهي آنية لا عروة لها. {مَّوْضُوعَةٌ} بين أيديهم.
{وَنَمَارِقُ} وسائد جمع نمرقة بالفتح والضم. {مَصْفُوفَةٌ} بعضها إلى بعض.
{وَزَارَابيُّ} بسط فاخرة جمع زريبة. {مَبْثُوثَةٌ} مبسوطة.
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ} نظر اعتبار. {إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} خلقاً دالاً على كمال قدرته وحسن تدبيره حيث خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية، فجعلها عظيمة باركة للمحل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طوال الأعناق لينوء بالأوقار، ترعى كل نابت وتحتمل العطش إلى عشر فصاعداً ليتأتى لها قطع البوادي والمفاوز، مع مالها من منافع أخرى ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعاً، ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع. وقيل المراد بها السحاب على الاستعارة.
{وَإِلَى السماء كَيْفَ رُفِعَتْ} بلا عمد.
{وَإِلَى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ} فهي راسخة لا تميل.
{وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ} بسطت حتى صارت مهاداً، وقرئ الأفعال الأربعة على بناء الفاعل للمتكلم وحذف الراجع المنصوب، والمعنى {أَفَلاَ يَنظُرُونَ} إلى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات ليتحققوا كمال قدرة الخالق سبحانه وتعالى، فلا ينكروا اقتداره على البعث ولذلك عقب به أمر المعاد ورتب عليه الأمر بالتذكير فقال: {فَذَكّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ} فلا عليك إن لم ينظروا ولم يذكروا إذ ما عليك إلا البلاغ.

.تفسير الآيات (22- 26):

{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}
{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} بمتسلط، وعن الكسائي بالسين على الأصل وحمزة بالإِشمام.
{إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ} لكن من تولى وكفر.
{فَيْعَذّبُهُ الله العذاب الأكبر} يعني عذاب الآخرة. وقيل متصل فإن جهاد الكفار وقتلهم تسلط، وكأنه أوعدهم بالجهاد في الدنيا وعذاب النار في الآخرة وقيل هو استثناء من قوله: {فَذَكّرْ} أي فذكر إلا من تولى وأصر فاستحق العذاب الأكبر، وما بينهما اعتراض ويؤيد الأول أنه قرئ: {إِلاَّ مَن تولى} على التنبيه.
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} رجوعهم، وقرئ بالتشديد على أنه فيعلل مصدر فيعل من الإياب، أو فعال من الأوب قلبت واوه الأولى قلبها في ديوان ثم الثانية للإِدغام.
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} في المحشر، وتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة في الوعيد.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حساباً يسيراً».

.سورة الفجر:

مكية وآيها ثلاثون آية.

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)}
{والفجر} أقسم بالصبح أو فلقه كقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أو بصلاته.
{وَلَيالٍ عَشْرٍ} عشر ذي الحجة ولذلك فسر {الفجر} بفجر عرفة، أو النحر أو عشر رمضان الأخير وتنكيرها للتعظيم، وقرئ: {وَلَيالٍ عَشْرٍ} بالإِضافة على أن المراد بالعشر الأيام.
{والشفع والوتر} والأشياء كلها شفعها ووترها، أو الخلق لقوله: {وَمِن كُلّ شَئ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} والخالق لأنه فرد، ومن فسرهما بالعناصر والأفلاك أو البروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها، أو بيومي النحر وعرفة، وقد روي مرفوعاً، أو بغيرها فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ما رآه أظهر دلالة على التوحيد، أو مدخلاً في الدين أو مناسبة لما قبلهما أو أكثر منفعة موجبة للشكر، وقرئ: {والوتر} بكسر الواو وهما لغتان كالحبر والحبر.
{واليل إِذَا يَسْرِ} إذا يمضي كقوله: {واليل إِذْ أَدْبَرَ} والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة، أو يرى فيه من قولهم صلى المقام وحذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفاً، وقد خصه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلاً، وقرئ: {يَسْرِ} بالتنوين المبدل من حرف الاطلاق.
{هَلْ في ذَلِكَ} القسم أو المقسم به {قَسَمٌ} حلف أو محلوف به. {لّذِى حِجْرٍ} يعتبره ويؤكد به ما يريد تحقيقه، وال {حِجْرٍ} العقل سمي به لأنه يحجر عما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية وحصاة من الإِحصاء، وهو الضبط والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن يدل عليه قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} يعني أولاد عاد بن عوصن بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، قوم هود سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه.
{إِرَمَ} عطف بيان ل {عَادٍ} على تقدير مضاف أي سَبْطُ {إِرَمَ}، أو أَهْلُ {إِرَمَ} إن صح أنه إسم بلدتهم. وقيل سمي أوائلهم وهم {عَاداً الأولى} باسم جدهم ومنع صرفه للعلمية والتأنيث. {ذَاتِ العماد} ذات البناء الرفيع أو القدود الطوال، أو الرفعة والثبات. وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا، ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنة وسماها إرم، فلما تمت سار إليها بأهله، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا. وعن عبد الله ابن قلابة أنه خرج في طلب إبله فوقع عليها.
{التى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد} صفة أخرى ل {إِرَمَ} والضمير لها سواء جعلت {إِرَمَ} القبيلة أو البلدة.
{وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر} قطعوه واتخذوه منازل لقوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} {بالواد} وادي القرى.

.تفسير الآيات (10- 19):

{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)}
{وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لتعذيبه بالأوتاد.
{الذين طَغَوْاْ في البلاد} صفة للمذكورين (عاد) {وَثَمُودُ} {وَفِرْعَوْنَ}، أو ذم منصوب أو مرفوع.
{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} بالكفر والظلم.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} ما خلط لهم من أنواع العذاب، وأصله الخلط وإنما سمي به الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، وقيل شبه بال {سَوْطَ} ما أحل بهم في الدنيا إشعاراً بأنه القياس إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب كالسوط إذا قيس إلى السيف.
{إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} إلى المكان الذي يترقب فيه الرصد، مفعال من رصده كالميقات من وقته، وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب.
{فَأَمَّا الإنسان} متصل بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} كأنه قيل إنه {لبالمرصاد} من الآخرة فلا يريد إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها. {إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ} اختبره بالغنى واليسر. {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} بالجاه والمال. {فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ} فضلني بما أعطاني، وهو خبر المبتدأ الذي هو {الإنسان}، والفاء لما في {أما} من معنى الشرط، والظرف المتوسط في تقدير التأخير كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإِنعام، وكذا قوله: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} إذ التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه أي بالفقر والتقتير ليوازن قسيمه. {فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ} لقصور نظره وسوء فقره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين، والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه سبحانه وتعالى وردعه عنه بقوله: {كَلاَّ} مع أن قوله الأول مطابق لأكرمه ولم يقل فأهانه وقدر عليه كما قال: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} لأن التوسعة تفضل والإخلال به لا يكون إهانة، وقرأ ابن عامر والكوفيون {أكرمن} و{أهانن} بغير ياء في الوصل والوقف. وعن أبي عمرو مثله ووافقهم نافع في الوقف وقرأ ابن عامر{فَقَّدَّرَ} بالتشديد.
{بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين} أي بل فعلهم أسوأ من قولهم وأدل على تهالكهم بالمال وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة، ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلاً عن غيرهم، وقرأ الكوفيون {ولا تحاضون}.
{وَتَأْكُلُونَ التراث} الميراث وأصله وراث. {أَكْلاً لَّمّاً} ذا لم أي جمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.

.تفسير الآيات (20- 30):

{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
{وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً} كثيراً مع حرص وشره، وقرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب {لا يكرمون} إلى {ويحبون} بالياء والباقون بالتاء.
{كَلاَّ} ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم وما بعده وعيد عليه. {إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً} أي دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال والتلال، أو {هَبَاء مُّنبَثّاً} {وَجَاء رَبُّكَ} أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته. {والملك صَفّاً صَفّاً} بحسب منازلهم ومراتبهم.
{وَجِئ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقوله تعالى: {وَبُرّزَتِ الجحيم} وفي الحديث: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» {يَوْمَئِذٍ} بدل من إذا دكت الأرض والعامل فيهما. {يَتَذَكَّرُ الإنسان} أي يتذكر معاصيه أو يتعظ لأنه يعلم قبحها فيندم عليها. {وأنى لَهُ الذكرى} أي منفعة الذكرى لئلا يناقض ما قبله، واستدل به على عدم وجوب قبول التوبة، فإن هذا التذكر توبة غير مقبولة.
{يَقُولُ ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} أي لحياتي هذه، أو وقت حياتي في الدنيا أعمالاً صالحة، وليس في هذا التمني دلالة على استقلال العبد بفعله فإن المحجور عن شيء قد يتمنى أن كان ممكناً منه.
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} الهاء لله أي لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له، أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه، وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول.
{ياأيتها النفس المطمئنة} على إرادة القول وهي التي اطمأنت بذكر الله، فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته وتستغني به عن غيره، أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن، وقد قرئ بهما.
{ارجعى إلى رَبّكِ} إلى أمره أو موعده بالموت، ويشعر ذلك بقول من قال: كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث، {رَّاضِيَةً} بما أوتيت. {مَّرْضِيَّةً} عند الله تعالى.
{فادخلى في عِبَادِى} في جملة عبادي الصالحين.
{وادخلى جَنَّتِى} معهم أو في زمرة المقربين فتستضيء بنورهم، فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة، أو ادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها، وادخلي دار ثوابي التي أعدت لك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له، ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نوراً يوم القيامة».

.سورة البلد:

مكية وآيها عشرون آية.

.تفسير الآيات (1- 9):

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)}
{لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} أقسم سبحانه بالبلد الحرام وقيده بحلول الرسول عليه الصلاة والسلام فيه إظهاراً لمزيد فضله، وإشعاراً بأن شرف المكان بشرف أهله. وقيل: {حِلٌّ} مستحل تعرضك فيه كما يستحل تعرض الصيد في غيره، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح.
{وَوَالِدٍ} عطف على {هذا البلد} والوالد آدم أو إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. {وَمَا وَلَدَ} ذريته أو محمد عليه الصلاة والسلام، والتنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في كَبَدٍ} تعب ومشقة من كبد الرجل كبداً إذا وجعت كبده ومنه المكابدة، والإِنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده، وهو تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام مما كان يكابده من قريش والضمير في {أَيَحْسَبُ} لبعضهم الذي كان يكابد من أكثر، أو يفتر بقوته كأبي الأشد بن كلدة فإنه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظي ويجذبه عشرة فينقطع ولا تزال قدماه، أو لكل أحد منهم أو للإنسان. {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} فينتقم منه.
{يِقُولُ} أي في ذلك الوقت {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} كثيراً، من تلبد الشيء إذا اجتمع، والمراد ما أنفقه سمعة ومفاخرة، أو معاداة للرسول عليه الصلاة والسلام.
{أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} حين كان ينفق أو بعد ذلك فيسأله عنه، يعني أن الله سبحانه وتعالى يراه فيجازيه، أو يجده فيحاسبه عليه ثم بين ذلك بقوله: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} يبصر بهما.
{وَلِسَاناً} يترجم به عن ضميره. {وَشَفَتَيْنِ} يستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها.